الأحد، 30 مارس 2014

حجم الكون..

أعلم تماما متى يكون الكون أصغر من ظل نملة في عينيك. أعلم هذا الشعور صدقني، فأنا لست ممن يصبحون على خير دائماً لكن أبي علمني أن أبتسم في وجه الصبح القبيح و أنتصر عليه..يحيّرني يا صديقي أنك أنت من يجهل صغر و رداءة الكون الحقيقية. أفقت يوماً على نياح الخادمة و إذ بها متكئة بجانب رأس أمي، ترجوها أن تتنفس بهدوء كي يستقر نبضها. أفجعني منظرهما و كنت بين الوعي و اللا وعي،نظرت لأمي نظرة خاطفة لأستوعب الموقف، فوجدتها كحزمة عظام مهترئة. شيء هشّ لا يتماسك.. منهارة تماماً!، حملتها بين يدي مسرعاً للسيارة و لا أعلم من أين أتتني تلك القوة، يبدو أن للخوف طاقة تضاعف قوة الجسم ربما. حين وصلنا لغرفة الطوارئ وضعتها فوق أقرب سرير.. ذهبت لأحضر الطبيب أو أي كائنٍ مرتديا ذلك الوشاح الأبيض فتلك اللحظة لم أجد احدهم و كأن فقر الأطباء حل فجأة على المستشفى. لكنني لم أستعجب فقالت لي أمي يوما: (حين تحتاج شيئاً ضروريا سيقرر الاختفاء عنك فجأة!.) و كان هذا ما حصل معي في الطوارئ، مرّت أمامي ممرضة تشبثت بها بكل قوتي و صرخت في وجهها و كأنها المسؤولة عن تعب أمي المفاجئ "أمي.. أسعفي أمي" تجاهلت الممرضة غضبي و سرعان ما أسعفتها، الغرفة كانت تعج بالمرضى الأطفال.. و بكاؤهم أعلى من أنين أمي الذي ما زال يطرق مسامعي كل ليلة حتى الآن. بعد ما إن استقر نبضها و هدأت أنفاسها بدأ النعاس يغلبها، تلك اللحظة يا صديقي أصبح الكون أصغر من حجم ظلّ نملة في عيني.. ربما لأن أمي هي الكون في عيني؟ لا أعلم. ما أضعفني أمام مرضها و قلة حيلتي.. أن ترى المرض ينهش جسد أمك كطفلة لا يسعها إلا أن تتكل على الله، أن تسمع أنين وجعها الذي لا تعرف لهُ طب! الكون حقير جداً يا صديقي حين يتركك في هذا الموقف وحيداً.. أن يسرق منك إبتسامتها. و حضورها المتباهي الذي عهدته.. توبيخها اليومي لي على قلة اهتمامي. أذكر أنها بعد ما أفاقت لم تسألني عن الذي حلّ بها، كان أول سؤال خرج منها: كيف حالك؟ هل نمت جيداً؟ و استرسلت الحديث بدعوات تحيطني! ما أعظم قلب الأم و ما أعجزنا أمامه.
أن يخطف الموت أمك، يعني أنك ستصبح وحيدا بلا شك. رغم وجود الأيادي الممتدة نحوك إلا أن تلك اليد التي نعلم جيداً أنها أمان.. و حب حقيقي لم تعد موجودة، إنقطع السبيل بينك و بينها، تلك الوحدة يا صديقي تجعلك ترى الكون أصغر من ظل نملة.. ليس بؤساً إنما واقع لا يفقهه إلا الذي تجرعه. الحقيقة موجعة لكنني أخبر نفسي دائما أن الأموات سبقونا للجنة و قريباً سنمسك يدهم.  و ما حيلتي؟ إلا أن اتشبث بقطعة أمل و أبتسم.

هناك تعليقان (2):

  1. يالله ياسعود كلماتك دائما تلامس القلب!
    الله يغفر لها ويرحمه ويجمعك به في فردوسه الأعلى ❤️

    ردحذف
  2. آصغر من ظل نملة ..
    نتسآبق في هذا الكون ومن اجله
    وتأخذنا اعبأه للأجآل الغير مسمآه
    نعلق مع الكون في دومات الانشغال
    تُسلب آيامنا
    وتنقضي آعمارنا
    ونجزع من اقدارنا
    ولازال الكون اصغر من ظل نملة ..
    ولازُلنا نُخذل
    ونشعر آن في العطاء ذُل
    وان الزهر الذي زرعنآه مع من نحب يذبُل
    ولازال الكون أصغر من ظل نملة ..
    ولازُلنا له ومع الاسف نُجبل

    .....

    ردحذف