في مثل صباح هذا اليوم كانت أمي تنتظر عودتي من العمل لنتفق على وجبة الغداء، هكذا كانت أمي تحب الإستشارة في صغائر الأمور.. بعد عودتي إستقبلتني بغير عادة، رفعت ساقيها لي و قبّلت رأسي و أخبرتني:" ليس لأنك أصبحت أطول مني يعني أنك أكبر!" و ابتسمت ابتسامة صفراء تثير غيظي جداً، سألتها:مالذي استجد في حياتنا اليوم؟.. أخبرتني أنها كانت دائما تود أن تستقبلني بمثل هذا الاستقبال منذ صغري أي بعد مجيئي من المدرسة. لم أتفوه بكلمة فتلك ايضاً كانت أمنيتي.. أعتقد أن هذه أمنية كل طفل في ذلك الوقت و العمر، أخبرتني أنها لم تطبخ الغداء لأن ذوقي في الطعام عسر جدا و إن تكفلت هي بالإختيار فلن يرضيني ذوقها، و إن طبخت ما أشتهيه فلن أأكله كله.. هكذا كانت أمي تغضب حين أُبقي طعاما إخترته ، كانت تجبرني على إنهاء وجبتي و إلا ستلحقني تلك الوجبة يوم القيامة!. بعد الجدال المتكرر عن الطعام اقترحت أن نخرج لأقرب مطعم فوافقتني بغير العادة ايضاً، أمي لا تحب أكل المطاعم و تعتقد أنهم يدسّون السم في طعامنا كي نموت بسرعة.. تظن أنهم اعداءٌ لنا، فحين وافقتني الاقتراح دُهشت فقلت لها:" اليوم ليس عيد ميلادي اليس كذلك؟" فضحكت و لم تجيبني.. بعد ذهابنا للمطعم و الذي كان قريبٌ جداً، أي أن الوقت الذي قضيته معها داخل السيارة قصير و كان الصمت سيد الموقف، قالت الآن سينتهي اليوم و ستذهب لدارك و تنغمس بعملك و تنسى أن لديك أم؟. سؤالها كان في غير موضعه و تعجبت جدا من طرحها اياه في هذا الوقت تحديداً.. ربما لأن سؤالها كان يعكس واقع روتيني الممُل جدا و الذي سرق مني أيام أتمنى لو تعود الآن، لا أعلم لكنني فضلت عدم الإجابة فدائما لا أملك الأجوبة على أسئلة أمي.. لأنها تعرف الأجوبة أكثر مني! . أخشى الكذب عليها فأنا بعينها الرجل الوحيد الصادق و بقية آدم كاذبون.. وصلنا للبيت و حدث ما تساءلت عنه أمي و إنتهى يومي تماما كما سردته.
كانت تلك الوجبة آخر وجبة نتشاركها، و ذاك الحديث أقصر حديث بيننا و آخره..
كانت أمي تفقه جيدا ما سيحدث بعد ذلك اليوم..كانت تعلم أنها ستتركني للأيام الثقيلة و العمل الذي سرقني منها و للطعام السام.. كانت تعلم كل هذا و لم تخبرني، لو أنها أخبرتني لحققت في يومنا ذلك أمنيتي أنا.. و أحتضنتها و قبّلت يديها ولم أكتفي.. لو أنها أخبرتني لأجبرتها على البقاء أو رجوتها لتأخذني معها.. هكذا كانت أمي تستشعر الأمور قبل حدوثها و لا تخبر بها أحدا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق